رحيل مخترع الكاسيت مهندس الصوتيات الذي تابعته الأجيال.

مهندس هولندي شغوف بالأصوات غيّر حياتنا مبتكر “الكاسيت” الذي خلق عالما من المتعة والخطر

كتب_أحمد زكي

 لم يحزن غيابه أولغا كولين مديرة متحف فيلبس إيندهوفن في هولندا وحدها، بل أحزننا جميعا، أولئك الذين اعتادوا على صداقة شريط “الكاسيت” في أيامهم ولياليهم. الشريط الذي رافق اللحظات الحميمة في حياتنا الحزينة والمفرحة والغاضبة والفضولية، تقريبا كل لحظة مضت قبل ظهور الكائن الجديد المعروف بالقرص المدمج ولاحقا البيانات المحفوظة في وحدات تخزين “يو.أس.بي” أو في سحابات غامضة. ليغيب شريط الكاسيت ويتوارى تماما، غير أن هذا لم يمنع من أن مبيعاته في الولايات المتحدة عادت وارتفعت خلال الأعوام الماضية بنسبة كبيرة، إذ بلغت نسبة مبيعاتها في العام 2018 وحده 23 في المئة في سوق الألبومات. أما في بريطانيا فقد ارتفعت تلك النسبة خلال النصف الأول من عام 2020 إلى 103 في المئة مقارنة مع العام الذي سبقه.

أحلام المراهق

لودفيك فريدريش أوتينز والد شريط الكاسيت الذي فكّر به وابتكره ووضع تلك العلبة البلاستيكية الصغيرة بين أيدي المليارات من البشر ليصغوا من خلالها إلى ما يجري في العالم البعيد.

ولد أوتينز أواسط العشرينات في بيلينغ فولده في هولندا، وكان العصر مضطربا، صعود النازية التدريجي الذي اجتاح أوروبا وبلاده في المقدمة، ثم الحرب الكبرى التي أتت على الأخضر واليابس.

كان في سن المراهقة آنذاك، فدفعته حاجته إلى المعرفة ورفضه للحياة الرهيبة التي فرضتها النازية على المناطق التي تهيمن عليها، إلى ابتكار جهاز يمكّنه من التقاط بث إذاعة “هولندا الحرة” التي كانت الماكينة الألمانية النازية تشوّش عليها.

وحين وضعت الحرب أوزارها بات أوتينز قادرا على مواصلة دراسته في الجامعة، فدرس الهندسة الميكانيكية، وعمل أثناء دراسته في مصنع لتكنولوجيا الأشعة السينية.

تغيير أوتينز لطريقة استهلاك البشر للصوت المسجّل التي كانت معقدة في الماضي، أحدث ثورة كبرى، إذ كان لا بد من جلسة خاصة أو موضع مرتّب مسبقا، لكي تتمكن من الإصغاء إلى الأغنية التي تحب. أما بعده فقد بات الأمر أكثر سهولة وحميمية

بعد تخرجّه مطلع الخمسينات، التحق بشركة “فيليبس”، وانتقل مع الشركة إلى مقرها بهاسيلت في بلجيكا، وكان ذلك الفرع من فيليبس معنيا بإنتاج المعدات الصوتية، الأسطوانات وأجهزة التسجيل ولواقط ومكبّرات الصوت.

وحتى ذلك الحين، نهاية العقد، لم يكن العالم يعرف شيئا عما يدور في رأس أوتينز حول آلة الصوت وضجره من الوزن الثقيل والحجم الكبير للأسطوانات. ولكن بوصوله المبكر إلى منصب رئيس قسم تطوير المنتجات في الشركة، قاد مشروع تطوير أو مسجل صوت محمول يعمل بتقنية الشرائط. وكان طرازه “إي إل 3585”. الضربة الأولى نجحت، وباعت الشركة مليون قطعة من جهاز أوتينز.

المشروع فتح شهية أوتينز على المزيد. فما الغرض من جهاز متنقل ما دام اللوح الصوتي سيبقى ضخما هكذا؟ باشر ببرنامج لابتكار ما سماه “مسجّل الجيب”. وكانت المواصفات التي وضعها كتحديات أمامه، أن يكون الجهاز رخيصا وصغير الحجم، وببطارية تدوم أكثر مع محافظته على جودة الصوت. وحتى تتحقق هذه الشروط كان لا بد من تقليص حجم اللوح الصوتي.

كان أول “شريط كاسيت” صنعه أوتينز خشبيا بحجم مناسب لقياس الجيب الداخلي لسترة بذلته. ومع فريقه المكون من دزينة من الخبراء الذين كانوا من مختلف الاختصاصات، من مصممين ومطورين، شهدت العاصمة الألمانية عرض أول منتج من هذا النوع في التاريخ عام 1961.

 

والغريب أن الاختراع الجديد لم يثر انتباه المستهلكين في البداية، لم يكترث به أحد بالأحرى. لكنّ اليابانيين في البعيد التقطوا الفكرة وصنعوا شريطهم غير أنه كان بحجم كبير.

ولم تقترب الستينات من نهايتها إلا وكان الطلب يتزايد على نظام أوتينز، فكان له الفضل الأكبر في نمو شركة فيليبس من جديد. فأصبح فريق أوتينز الذي بدأ بـ12 شخصا قرابة 5 آلاف موظف.

اكتسح شريط أوتينز العالم، وكان لبساطته وخفة وزنه وسعره الزهيد دور كبير في انتشاره الواسع في البيوت والمدارس والمعامل والجامعات وفي كل مكان تقريبا.

كيف تستهلك الصوت؟

في الواقع كان هذا هو السؤال الذي لم يطرحه أوتينز، هو فقط كان منزعجا من الأسطوانات والبكرات، فقرر تقديم الأفضل لكن طريقة الاستهلاك للمنتج الصوتي هي الموضع الذي استهدفه ابتكاره العبقري.

كانت طريقة استهلاك الصوت المسجّل مختلفة في الماضي، وكان لا بد من جلسة خاصة أو موضع مرتّب مسبقا، لكي تتمكن من الإصغاء إلى الأغنية التي تحب، أو ليكون بوسعك أن ترقص على موسيقى كلاسيكية تعلّقت بها.

وحين كنت تريد أن تتابع أحد الزعماء السياسيين أو المفكرين وهو يلقي خطابا هاما له، كان عليك أن تهيّئ مكانا واسعا وتحضّر تجهيزات معقدة، لاسيما وأن البث المباشر كان محدودا

عن عاشور الجيزاوى

شاهد أيضاً

عزاء واجب من مؤسسة دريم مصر للاعلام

مؤسسة دريم مصر للاعلام تتقدم بالعزاء كتب/ ادهم ناصر تتقدم اسرة مؤسسة دريم مصر للاعلام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *